جمعتنا مقاعد الإنتظار في المواصلات العامة بمن سميتها بائعة مقاعد القطار
جمعتنا أرقام التذاكر وأماكن الجلوس مقاعد الإنتظار بوجوهٍ سمحةٍ وقلوبٍ رحبةبأناسٍ تبادلنا معهم الاحاديث وربما الابتسامات فقط، فخففوا ثقل الروح ولملموا شتات العقل،وأنسوْك المهام السخيفة والاعتياد القاتل الذي يسرقنا من أنفسنا ولو لمدة قصيرةولو لدقيقة واحدة إنهم خِفافٌ في مرورهم، ثِقالٌ وفي وسط هذا الحوار النفسي.
وأنا أنتظر في القطار مرت بجاني طفلة صغيرة بملامحها الريفية البريئة وثيابها البسيطةوابتسامة تخفيها بين ملامحها حتى لا تكون مطمع لأحد في البداية لم تلفت انتباهي المكان مكتظ بالأطفال والبائعين المتجولين الذين يلحون عليك بالشراء فلا تكلف نفسك بالرد عليهم من كثر تساؤلاتهم وأدعيتهم التي لا يكفون عنها لكسب استعطافك لشراء لكن هذه الطفلة كانت مختلفة.
تختار زبائنها بدقة تحمل رائحة من الخبرة تجعلها تعرض دون تسول أو استعطاف كما عرضت علي أن أشتري منها عقد من الفل
وكانت تقسم لي بأنها صنعته بنفسها وأنه طيب الرائحة فتطايرات خصلات شعرها على عيناها كأنها اتفقت مع هذا الهواء أن تخفي خجلها.
أحببتُ طريقة عرضها فقررت أن أشتري كل الفل في البداية لم تصدق عرضي عليها فبدأت تلملم أشياءها لتذهب
أقسمت لها انني أريد أن أشتري عادت لها ابتسامتها الضائعة ودفعت لها ما طلبت دون فصال
وأخذت تخفيه في محفظتها الصغيرة وقالت لي بأنها ستحضر غداً فأين سأجدك جالساً ؟ قلت لها هنا في هذا المكان
وانطلقت في زحمة المدينة حتى توارت عن نظري إنها ساعة الانتظار
جمعتنا مقاعد الانتظار اكتسبت هذا الفل برائحته الزكية بعد يوم عمل شاقة
بعد وقت ليس بطويل جاء صديقي الذي انتظرته طويلا ًألقى برأسه على المقعد يبدوا عليه عدم الرغبة بالحديث وأنا كذلك لا رغبة لي في التحدث مع أحد.
أهديته عقداً من الفل وقلت له رائحته زكية ستنسيك ضجة المكان
وتعطيك رائحة طبية فرائحته جميلة جداً ابتسم صديقي دون حديث وهز رأسه لي بالقبول
وأدرت وجهي والتفت على النافذة فأنا مغرم جداً في متابعة المارة والمتجولين دون أن أسمع ما يقولون
تعجبني حركاتهم بحثهم عن أرزاقهم في زحمة العائدين
إنها مقاعد الانتظار عالم آخر نعشق التحدث في تفاصيله.